كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال قوم: النطيحة المناطحة، لأن الشاتين قد يتناطحان فيموتان.
قال ابن عطية: كل ما مات ضغطًا فهو نطيح.
وقرأ عبد الله وأبو ميسرة: والمنطوحة والمعنى في قوله وما أكل السبع: ما افترسه فأكل منه.
ولا يحمل على ظاهره، لأن ما فرض أنه أكله السبع لا وجود له فيحرم أكله، ولذلك قال الزمخشري: وما أكل السبع بعضه، وهذه كلها كان أهل الجاهلية يأكلونها.
وقرأ الحسن والفياض، وطلحة بن سلمان، وأبو حيوة: السبع بسكون الباء، ورويت عن أبي بكر عن عاصم في غير المشهور، ورويت عن أبي عمرو.
وقرأ عبد الله: وأكيلة السبع.
وقرأ ابن عباس: وأكيل السبع وهما بمعنى مأكول السبع، وذكر هذه المحرمات هو تفصيل لما أجمل في عموم قوله: {إلا ما يتلى عليكم} وبهذا صار المستثنى منه والمستثنى معلومين.
{إلا ما ذكيتم} قال علي، وابن عباس، والحسن، وقتادة، وابراهيم، وطاووس، وعبيد بن عمير، والضحاك، وابن زيد، والجمهور: هو راجع إلى المذكورات أي من قوله: والمنخنقة إلى وما أكل السبع.
فما أدرك منها بطرف بعض، أو بضرب برجل، أو يحرك ذنبًا.
وبالجملة ما تيقنت فيه حياة ذكي وأكل.
وقال بهذا مالك في قول، والمشهور عنه وعن أصحابه المدنيين: أنّ الذكاة في هذه المذكورات هي ما لم ينفذ مقاتلها ويتحقق أنها لا تعيش، ومتى صارت إلى ذلك كانت في حكم الميتة.
وعلى هذين القولين فالاستثناء متصل، لكنه خلاف في الحال التي يؤثر فيها الذكاة في المذكورات.
وكان الزمخشري مال إلى مشهور قول مالك فإنه قال: إلا ما أدركتم ذكاته وهو يضطرب اضطراب المذبوح وتشخب وداجه.
وقيل: الاستثناء متصل عائد إلى أقرب مذكور وهو ما أكل السبع ومختص به، والمعنى: إلا ما أدركتم فيه حياة مما أكل السبع فذكيتموه، فإنه حلال.
وقيل: هو استثناء منقطع والتقدير: لكنْ ما ذكيتم من غير هذه فكلوه.
وكان هذا القائل رأى أنّ هذه الأوصاف وجدت فيما مات بشيء منها، إما بالخنق، وإما بالوقذ، أو التردي، أو النطح، أو افتراس السبع، ووصلت إلى حد لا تعيش فيه بسب بوصف من هذه الأوصاف على مذهب من اعتبر ذلك، فلذلك كان الاستثناء منقطعًا.
والظاهر أنه استثناء متصل، وإنما نص على هذه الخمسة وإن كان في حكم الميتة، ولم يكتف بذكر الميتة لأن العرب كانت تعتقد أنّ هذه الحوادث على المأكول كالذكاة، وأن الميتة ما ماتت بوجع دون سبب يعرف من هذه الأسباب.
وظاهر قوله: إلا ما ذكيتم، يقتضي أنّ ما لا يدرك لا يجوز أكله كالجنين إذا خرج من بطن أمه المذبوحة ميتًا، إذا كان استثناء منقطعًا فيندرج في عموم الميتة، وهذا مذهب أبي حنيفة.
وذهب الجمهور إلى جواز أكله.
والحديث الذي استنبطوا منه الجواز حجة لأبي حنيفة لا لهم.
وهو «إذكاة الجنين ذكاة أمه» المعنى على التشبيه أي ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه كما ذكاتها الذبح فكذلك ذكاته الذبح ولو كان كما زعموا لكان التركيب ذكاة أم الجنين ذكاته.
{وما ذبح على النصب} قال مجاهد وقتادة وغيرهما: هي حجارة كان أهل الجاهلية يذبحون عليها.
قال ابن عباس: ويحلون عليها.
قال ابن جريج: وليست بأصنام، الصنم مصور، وكانت العرب تذبح بمكة وينضحون بالدم ما أقبل من البيت، ويشرحون اللحم ويضعونه على الحجارة، فلما جاء الإسلام قال المسلمون: نحن أحق أنْ نعظم هذا البيت بهذه الأفعال، فكره ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت.
وما ذبح على النصب ونزل أن ينال الله لحومها ولا دماؤها انتهى.
وكانت للعرب في بلادها أنصاب حجارة يعبدونها، ويحلون عليها أنصاب مكة، ومنها الحجر المسمى بسعد.
قال ابن زيد: ما ذبح على النصب، وما أهل به لغير الله شيء واحد.
وقال ابن عطية: ما ذبح على النصب جزء مما أهل به لغير الله، لكنْ خص بالذكر بعد جنسه لشهرة الأمر وشرف الموضع وتعظيم النفوس له.
وقد يقال للصنم أيضًا: نصب، لأنه ينصب انتهى.
وقرأ الجمهور: النُصُب بضمتين.
وقرأ طلحة بن مصرف: بضم النون، وإسكان الصاد.
وقرأ عيسى بن عمر: بفتحتين، وروي عنه كالجمهور.
وقرأ الحسن: بفتح النون، وإسكان الصاد.
{وأن تستقسموا بالأزلام} هذا معطوف على ما قبله أي: وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام، وهو طلب معرفة القسم، وهو النصيب أو القسم، وهو المصدر.
قال ابن جريج: معناه أن تطلبوا على ما قسم لكم بالأزلام، أو ما لم يقسم لكم انتهى.
وقال مجاهد: هي كعاب فارس والروم التي كانوا يتقامرون بها.
وروي عنه أيضًا: أنها سهام العرب، وكعاب فارس، وقال سفيان ووكيع: هي الشطرنج.
وقيل: الأزلام حصى كانوا يضربون بها، وهي التي أشار إليها الشاعر بقوله:
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ** ولا زاجرات الطير ما الله صانع

وروي هذا عن ابن جبير قالوا: وأزلام العرب ثلاثة أنواع: أحدها: الثلاثة التي يتخذها كل إنسان لنفسه في أحدها افعل وفي الآخر لا تفعل والثالث غفل فيجعلها في خريطة، فإذا أراد فعل شيء دخل يده في الخريطة منسابة، وائتمر بما خرج له من الآمر أو الناهي.
وإن خرج الغفل أعاد الضرب.
والثاني: سبعة قداح كانت عندها في جوف الكعبة، في أحدها العقل في أمر الديات من يحمله منهم فيضرب بالسبعة، فمن خرج عليه قدح العقل لزمه العقل، وفي آخر تصح، وفي آخر لا، فإذا أرادوا أمرًا ضرب فيتبع ما يخرج، وفي آخر منكم، وفي آخر من غيركم، وفي آخر ملصق، فإذا اختلفوا في إنسان أهو منهم أمْ من غيرهم ضربوا فاتبعوا ما خرج، وفي سائرها لأحكام المياه إذا أرادوا أن يحفروا لطلب المياه ضربوا بالقداح، وفيها ذلك القداح، فحيث ما خرج عملوا به.
وهذه السبعة أيضًا متخذة عند كل كاهن من كهان العرب وحكامهم على ما كانت في الكعبة عند هبل.
والثالث: قداح الميسر وهي عشرة، وتقدم شرح الميسر في سورة البقرة.
{ذلكم فسق} الظاهر أنّ الإشارة إلى الاستقسام خاصة، ورواه أبو صالح عن ابن عباس.
وقال الزمخشري: إشارة إلى الاستقسام، وإلى تناول ما حرم عليهم، لأن المعنى: حرم عليهم تناول الميتة وكذا وكذا.
(فإن قلت): لم كان استقسام المسافر وغيره بالأزلام ليعرف الحال فسقًا؟ (قلت): لأنه دخول في علم الغيب الذي استأثر به علام الغيوب، وقال: {لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} واعتقاد أن إليه طريقًا وإلى استنباطه.
وقوله: أمرني ربي ونهاني ربي افتراء على الله تعالى، وما يبديه أنه أمره أو نهاه الكهنة والمنجمون بهذه المثابة، وإن كان أراد بالرب الصنم.
فقد روي أنهم كانوا يحلون بها عند أصنامهم، وأمره ظاهر انتهى.
قال الزمخشري في اسم الإشارة رواه عن ابن عباس عليّ بن أبي طلحة، وهو قول ابن جبير.
قال الطبري: ونهى الله عن هذه الأمور التي يتعاطاها الكهان والمنجمون، لما يتعلق بها من الكلام في المغيبات.
وقال غيره: العلة في تحريم الاستقسام بالأزلام كونها يؤكل بها المال بالباطل، وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلامًا أو ينكحوا أو يدفنوا ميتًا أو شكوا في نسب، ذهبوا إلى هبل بمائة درهم وجزور، فالمائة للضارب بالقداح، والجزور ينحر ويؤكل، ويسمون صاحبهم ويقولون لهبل: يا إلهنا هذا فلان أردنا به كذا وكذا فأخرج الحق فيه، ويضرب صاحب القداح فما خرج عمل به، فإن خرج لا أخروه عامهم حتى يأتوا به مرة أخرى، ينتهون في كل أمورهم إلى ما خرجت به القداح.
{اليوم يئس الذين كفروا من دينكم} الألف واللام فيه للعهد وهو يوم عرفة قاله: مجاهد، وابن زيد.
وهو يوم نزولها بعد العصر في حجة الوداع يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الموقف على ناقته، وليس في الموقف مشرك.
وقيل: اليوم الذي دخل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مكة لثمان بقين من رمضان سنة تسع.
وقيل: سنة ثمان، ونادى مناديه بالأمان لمن لفظ بشهادة الإسلام، ولمن وضع السلاح، ولمن أغلق بابه.
وقال الزجاح: لم يرد يومًا بعين، وإنما المعنى: الآن يئسوا، كما تقول: أنا اليوم قد كبرت انتهى.
واتبع الزمخشري الزجاج فقال: اليوم لم يرد به يومًا بعينه، وإنما أراد الزمان الحاضر وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية، كقولك: كنت بالأمس شابًا وأنت اليوم أشيب، فلا يريد بالأمس الذي قبل يومك، ولا باليوم يومك.
ونحوه الآن في قوله:
الآن لما ابيض مسربتي ** وعضضت من نابي على جدم

انتهى.
والذين كفروا: مشركو العرب.
قال ابن عباس، والسدي، وعطاء: أيسوا من أن ترجعوا إلى دينهم.
وقال ابن عطية: ظهور أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وظهور دينه، يقتضي أن يئس الكفار عن الرجوع إلى دينهم قد كان وقع منذ زمان، وإنما هذا اليأس عندي من اضمحلال أمر الإسلام وفساد جمعه، لأنّ هذا أمر كان يترجاه من بقي من الكفار.
ألا ترى إلى قول أخي صفوان بن أمية في يوم هوازن حين انكشف المسلمون فظنها هزيمة.
ألا بطل السحر اليوم.
وقال الزمخشري: يئسوا منه أن يبطلوه وأن يرجعوا محللين لهذه الخبائث بعدما حرمت عليكم.
وقيل: يئسوا من دينكم أن يغلبوه لأنّ الله وفى بوعده من إظهاره على الدين كله انتهى.
وقرأ أبو جعفر: ييس من غير همز، ورويت عن أبي عمرو.
{فلا تخشوهم واخشون} قال ابن جبير: فلا تخشوهم أن يظهروا عليكم.
وقال ابن السائب: فلا تخشوهم أن يظهروا على دينكم.
وقيل: فلا تخشوا عاقبتهم.
والظاهر أنه نهى عن خشيتهم إياهم، وأنهم لا يخشون إلا الله تعالى.
{اليوم أكملت لكم دينكم} يحتمل اليوم المعاني التي قيلت في قوله: اليوم يئس.
قال الجمهور: وإكماله هو إظهاره، واستيعاب عظم فرائضه، وتحليله وتحريمه.
قالوا: وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير كآيات الربا، وآية الكلالة، وغير ذلك، وإنما كمل معظم الدين، وأمر الحج، إنْ حجوا وليس معهم مشرك.
وخطب الزمخشري في هذا المعنى فقال: كفيتكم أمر عدوكم، وجعلت اليد العليا لكم، كما تقول الملوك: اليوم كمل لنا الملك وكمل لنا ما نريد إذا كفوا من ينازعهم الملك، ووصلوا إلى أغراضهم ومباغيهم.
أو أكملت لكم ما تحتاجون إليه من تعليم الحلال والحرام، والتوقيف على الشرائع، وقوانين القياس، وأصول الاجتهاد انتهى.